الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: العقد الفريد **
توّفِّي رجل في عَهد عمرَ بن ذَرّ ممن أسرَف على نفسه في الذنوب وجاوَزَ في الطُّغيان فتَحَامَى الناسُ عن جِنازته فحضرَها عمرُ بن ذرّ وصلّى عليه فلما أدْلٍيَ في قبره قال: يَرْحمك الله أبا فُلان صَحِبْت عُمْرك بالتوحيد وعَفَّرت وجهك لله بالسُّجود فإن قالوا مُذْنِب وذو خَطايا فمَن منَا غيرُ مُذنِب وذِي خطايا. ومن حديث أبي هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: " وقال صلى الله عليه وسلم: إنّ هذا الدِّين مَتِين فأَوْغل فيه برِفق فإنّ اْلمنبَتَ لا أرْضاً قَطع ولا ظَهْراً أَبقى. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: خَير هذه الأمَّة هذا النَّمط الأوْسط يَرْجع إليهم الغالي ويَلحق بهم التّالي. وقال مطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير لابنه وكان قد تَعبَّد: يا بُنيّ إن الحسنَة بين السيئتين - يعني أن الدين بين الإفْراط والتّقْصير - وخَير الأمور أَوْسطها وشَرّ السّير الحَقْحقة. وقال سلمان الفارِسيّ: القَصْدَ والدًوامَ فأنت الجَواد السابق. وقالوا: " طالب العِلم و " عاملُ البِرِّ كآكِل الطَّعام إن أكل منه قوتاً عصمه وإن أسْرَف منه أَبْشَمه. وفي بعض الحديث: إن عيسى بنَ مريم عليه السلام لَقِيَ رجلاً فقال له: ما تَصْنع قال: أَتعبَّد ونظير هذا أن رفقة من الأشعريين كانوا في سَفر فلما قَدِموا قالوا: ما رأينا يا رسول الله بعدَكَ أفضلَ من فلان كان يَصُوم النهار فإذا نزَلنا قام من الليل حتى نرْتحل قال: فَمن كان يَمْهن له ويَكفُله قالوا: كلّنا قال: كلّكم أفضلُ منه. وقيل للزهري: ما الزّهد في الدنيا قال " أمّا " إنه ما هو بتشعيث اللِّمة ولا قَشَف الهيئة ولكنَّه ظَلَف النَّفس عن الشَّهوة. عليِّ بن عاصم عن أبي إسحاق الشَّيباني قال: رأيتُ محمد بن الحنفيَّة واقفاً بعَرَفات على بِرذَوْن وعليه مُطْرَف خز أصْفَر. السدِّي عن ابن جُريج عن " عثمان بن أبي سليمان: أن " ابن عباس كان يَرْتدي رِدَاء بأَلْف. إسماعيل بن عبد الله بن جعْفر عن أبيه قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ثوبان مصبوغان بالزَّعفران: رداء وعمامة. وقال مَعمر: رأيتُ قميص أيوب السِّخْتِياني يكاد يَمس الأرض فسألتُه عن ذلك فقال: إن الشُّهرة كانت فيما مضى في تذْييل القَمِيص وإنهّا اليومَ في تَشميره. أبو حاتم عن الأصمعي: أن ابن عَوْن اشترى بًرْنساً فمرَّ على معاذَة العَدَويَّة فقالت: مِثلُك يَلْبس هذا فذكرتُ ذلك لابن سيربن قال: أفلا أخبرتها أن تَميما الدارمي اشترى حُلَّة بألف فصلّىِ قدم حمَّاد بن سَلمة البَصرة فجاءه فرْقد السَّبَخي وعليه ثيابُ صُوف فقال له حمَاد: ضَع عنك نَصرانيّتك هذه فلقد رأيتنا ننتظر إبراهيم " فيخرج إلينا " وعليه معَصفْرة ونحن نرى أن المَيْتة قد حلَّتْ له أبو الحسن المدائنيّ قال: دخل محمد بن واسع على قُتيبة بن مُسلم وَالي خُراسان في مِدْرَعة صوف فقال له: ما يدعوكَ إلى لِباس هذه فسكت فقال له قتيبة: أكلّمك ولا تُجيبني قال: أَكرَه أن أقولَ زُهداً فأُزَكّي نفسي أو أقولَ فَقْراً فأَشكو ربي فما جوابُك إلا السُّكوت. قال ابن السًماك لأصحاب الصُّوف: واللّه لئن كان لباسُكم وَفْقاً لسرائركم فقد أحببتم أن يطلع الناس عليها وإن كان مخالفاً لها فقد هَلكتم. وكان القاسمُ بن محمد يَلْبس الخزّ وسالِم بن عبد الله يَلْبس الصُّوف ويقعُدان في مجلس المدينة فلا يُنكر هذا على هذا " شيئاَ " ولا ذا على هذا. ودَخل رجلٌ على محمد بن المُنْكَدر فوجده قاعداً على حَشايا مُضاعَفة وجاريةٌ تُغَلِّفه بالغالية فقال: رَحمك اللّه جئتُ أسألك عن شيء وجدتك فيه - يريد التزيّن - قال: على هذا أدركتُ الناس. وصلّى الأعمشُ في مسجد قوم فأطال بهم الإمام فلما فَرغ قال له: يا هذا لا تُطِلْ صلاتك فإنه يكون خَلْفك ذو الحاجة والكبَير والضَّعيف قال الإمام: وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين فقال له الأعمش: أنا رسولُ الخاشعين إليك إنهم لا يَحتاجون إلى هذا منك. العُتْبيّ قال: أصابت الربيعَ بن زِياد نُشَّابةٌ في جبينه فكانت تنتقض عليه كل عام فأتاه عليُّ بن أبي طالب عائداً فقال له: كيف تَجدك يا أبا عبد الرحمن قال: أجدُني لو كان لا يذهب ما بي إلا بذَهاب بَصري لتمنيّت ذهابَه قال له: وما قيمة بَصرك عندك قال: لو كانت لي الدُّنيا فديتُه بها قال: لا جَرم ليُعطينّك اللهّ على قَدْر الدُنيا لو كانت لك لأنفقتها في سبيله إِنّ الله يُعطي على قَدْر الألم والمُصيبة وعنده بعدُ تَضْعيفٌ كثير. قال له الرَّبيع: يا أميرَ المؤمنين ألا أشكو إليك عاصمَ بن زِياد قال: وماله قال: لَبِسَ العَباء وتَرَك المُلاَء وغم أهْلَه وأحْزن وَلَده قال: عليِّ عاصماً. فلما أتاه عَبس في وَجْهه وقال: وَيْلكَ يا عاصم! أترى الله أباح لك اللذّاتِ وهو يكره " منك " أخْذَك منها أنت أهونُ على الله من ذلك أو ما سَمعْته يقول: " وتاللّه لابتذال نِعَم الله بالفِعال أحب إِلي من ابتذالها بالمَقَال وقد سمعته يقول: " قال عاصم: فعلامَ اقتصرتَ أنت يا أميرَ المَؤمنين على لِبْس الخَشِن وأكْل الحَشف قال: إن الله افترض على أئمة محمد بن حاطب الْجُمَحيّ قال: حدّثني من سَمع عمرو بن شُعيب وكنتُ سمعتُه أنا وأبي جميعاً قال: حدّثني عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدّه عن " عبد الله بن مَسعود قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم أمّ " عبد الله بن عمرو " بن العاص " وكانت امرأة تَلْطُف برسول الله صلى الله عليه وسلم وسلّم فقال: كيف أنتِ يا أمَ عبد الله كيف أكونُ وعبد الله بن عمرو رجلٌ قد تخلّى من الدنيا قال لها: كيف ذلك قالت: حرّم النوم فلا ينام ولا يُفطر ولا يَطْعم اللحم ولا يؤدِّي إلى أهله حقَّهم قال: فأين هو قالت: خرج ويُوشك أن يَرْجع الساعة قال: فإذا رجع فاحبسيه عليَّ. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء عبد الله وأوْشك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرَّجعة فقال: يا عبد الله بن عَمرو ما هذا الذي بلغني عنك " قال: وما ذاك يا رسولَ الله قال بَلَغني أنك لا تنام " ولا تُفْطر " قال: أردتُ بذلك الأمْنَ من الفزع الأكبر قال: وبلَغني أنك لا تَطْعم اللَّحم قال: أردتُ بذلك ما هو خيرٌ منه في الجنَّة قال: وبلغني أنك لا تؤدي إلى أهلك حقَهم قال: أردتُ بذلك نساءً هنَّ خير منهنّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلَّم يا عبد الله بن عمرو إن لك في رسول الله أسوة حَسنة فرسول الله يَصوم ويُفطر ويأكل اللَّحم ويُؤدِّي إلى أهله حقوقَهم. يا عبد الله بن عمرو إنَ لله عليك حقّا وإنَ لبدنك عليك حقّا وإن لأهلك عليك حقّا. فقال: يا رسول الله ما تأمرني أن أصوم خمسة أيام وأفطر يوماً قال: لا قال: فأصوم أربعة وأفطر يوماً قال: لا قال: فأصوم ثلاثة وأفطر يوماً قال: لا قال: فيومين وأفطر يوماً قال: لا قال: فيوماً " وأفْطِر يوماً " قال: ذلك صيام أخي داود يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بَقِيت في حُثالة من الناس قد مَرِجَتْ عهودُهم ومواثيقُهم فكانوا هكذا - وخالف بين أصابعه قال: فما تأمرني " به " يا رسول اللهّ قال: تأخذ ما تَعرف وتَدَع ما تُنكر وتَعمل بخاصَّة نَفْسك وتَدع الناس وعوامَّ أمرهم. قال: ثم أخذه بيده وجعل يمشي به حتى وضعَ يده في يد أبيه وقال له. أطِع أباك. فلما كان يومُ صِفّين قال له أبوه عمرو: يا عبد الله اخرج فقاتل فقال: يا أبتاه أتأمُرني أن أخرج فأقاتل وقد سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت وعَهِد إليَ " ما عهد " قال: أنشدك الله ألم يكن آخر ما قال لك أن أخذ بيدك فوضعها في يدي وقال لك: أطِع أباك ٍ قال: اللهم بلى قال: فإني أعزم عليك أن تَخْرج فتقاتل. قال: فخرج فقاتل متقلَداً بسيفين. القول في القدر أتى قومٌ من أهل القَدر محمد بن المُنْكدر. فقالوا له: أنت الذي تقول: إن الله يُعذِّب الخلق على ما قدَّر عليهم فصرف وجهه عنهم ولم يُجبهم. فقالوا له: أصلحك الله إن كنت لا تُجيبنا فلا تُخْلِنا من بركة دعائك فقال: اللهم لا تُرْدِنا بعُقوبتك ولا تَمكر بنا حِيلتك ولا تُؤاخذنا بتَقْصيرنا عن رِضاك قليلَ أعمالنا تقَبّل وعظيمَ خطايانا اغفر أنت الله الذي لم يكن شيء قبلك ولا يكونُ شيء بعدك وليّ الأشياء ترفع بالهُدى من تشاء لا مَن أحسن استغنى عن عَونك ولا مَن أساء غَلَبك ولا استبدّ شيء عن حُكومتك وقُدرتك " لا ملجأ إلا إليك " فكيف لنا بالمغفرة وليست إلا في يديك وكيف لنا بالرحمة وليست إلا عندك حفيظ لا ينسى قديم لا يَبلى حيّ لا يموت بك عرفناك وبك اهتدينا إليك ولولا أنت لم نَدْرِ ما أنت سُبحانك وتعاليت. فقال القوم: قد واللّه أخبر وما قَصرّ. وقال: ذُكر القَدر في مجلس الحسن البصريّ فقال: إن الله خلق الخلق للابتلاء لم يُطيعوه بإكراه ولم يَعْصوه بغَلبة لم يُهْملهم من الملْك وهو القادر على ما أقدرهم عليه والمالك لما ملّكهم إياه فإن يأتمر العِباد بطاعة الله لم يكن اللهّ مُثَبِّطاً " لهم " بل يَزيدهم هُدىً إلى هُداهم وتَقوَى إلى تَقْواهم وإن يأتمروا بمعْصية اللّه كان الله قادراً على صرفهم إن شاء وإن خَلّى بينهم وبين المَعْصية فمن بعد إعذار وإنذار. مروان بن موسى قال: حدّثنا أبو ضَمْرة أنّ غَيْلان قَدِم بكلمة قد صاغها حتى وقف على ربيعة فقال له: أنت الذي تزعم أنّ الله أحبَّ أن يُعْصىَ فقال له رَبيعة: أنت الذي تزعم أن الله يُعصى كَرها فكأَنما أَلقمه حجراً. قيل لطاوس: هذا قَتادة يُحب أن يأتيك فقال: إن جاء لأقُومنّ قيل له: إنه فقيه قال: إِبليس أفقه منه قال: " وقيل للشعبّى: رأيتَ قتادة قال: نعم رأيت كُناسة بين حَشَّين القَدَر هو العِلْم والكِتاب والكَلِمة والإذْن والمشيئة. قال الأصمعي: سألتُ أعرابياً فقلت له: ما فَضلُ بَني فُلان على بَني فلان قال: الكِتاب يعني القَدَر. وقال الله عزّ وجلّ: " وقال: " وقال: " وقال: " قال الخُشني أبو عبد الله محمد بن السَّلام: شاعران من فُحُول الجاهلية لهما " بَيْتان " ذَهب " أحدهما في بيته " مَذْهب العَدْلية والآخر ذَهب مَذْهب الجَبْرية فالذي ذهب مَذْهب العَدْلية أعشى بَكْر حيثُ يقول: آسْتأثر الله بالوَفَاء وبالعَدْل وَوَلًى اللامة الرَّجلاَ إنّ تَقْوَى ربِّنَا خَيْرُ نَفَل وبإذْن الله رَيثي وعَجَلْ مَن هَداه سُبلَ الخْير اهتدى ناعِمَ البال ومَن شاءَ أَضَل وقال إِياس بن مُعاوية: كلَّمتُ الفِرَق كلها ببعض عَقْلي وكلًمتُ القَدَرِيّ بعَقْلي كلِّه فقلت له: دُخولك فيما ليس لك ظُلْم منك قال: نعم قلت: فإنّ الأمر كله للّه. ومن قوْل اللهّ عز وجل في القدر: " وقال: " وقال محمد بنُ سِيرين: ما يُنْكر القَدَرية أن يكونَ الله " قد " عَلِم مِن خَلْقه عِلْماً فكَتبه عليهم. وقال رجلٌ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما تَقول في القَدَر قال: وَيْحك! أخبرني عن رحمة الله أكانَتْ قبلَ طاعة العباد قال نعم قال علي: أسْلَم صاحبًكم وقد كان كافراً فقال الرجلً له: أليس بالمَشيئة الأولى التي أنشأني بها " وقَوَّم خَلقي " أقوم وأقعد وأقْبِضً وأبْسُط قال له " علي " إنك بعدُ في المشيئة أمَا إني أسألك عن ثلاث فإن قلتَ في واحدة منهن لا كفرت وإن قلت نعم فأنت أنت فمدَ القومُ أعناقهم ليسمعوا ما يقول فقال له عليّ: أخبرني عنك أخلقك اللهّ كما شِئت أو كما شاء قال: بل كما شاء قال: فَخَلقَك الله لما شِئْت أو لما شاء قال: بل لما شاء قال: فيومَ القيامة تأتيه بما شئت أو بما شاء قال: بل بما شاء قال: قُمْ فلا مَشيئة لك. قال هشام بن محمد بن السائب الكَلْبي: كان هِشام بن عبد الملك قد أنكر على غَيلان التكلم في القَدَر وتقدَّم إليه في ذلك أشدَّ التقدّم وقال له في بعض ما توعده به من الكلام: ما أحسبك تَنْتهي حتى تَنْزِل بك دعوةُ عمرَ بن عبد العزيز إِذا احتجَ عليك في المَشيئة بقول الله عزّ وجل: " فغاظ قوله هشاماً فعبث إلى الأوْزاعيّ فحكى له ما قال لغَيلان وما ردَّ غيلان: فالتفت إليه الأوزاعيّ فقال له: اسألك عن خمس أو عن ثلاث فقال غيلان: بل عن ثلاث قال الأوزاعيّ: هل علمتَ أنّ الله أعان على ما حَرَّم قال غيلان: ما علِمت " وعَظُمت عنده ". قال: فهل علمتَ أن اللهّ قَضى على ما نهى قال غيلان: هذه أعظمُ! ما لي بهذا من عِلْم قال: فهل علمتَ أنّ الله حال دون ما أمر قال غيلان -: حال دون ما أمر ما علمتُ قال الأوزاعي: هذا مرتاب من أهل الزَّيع. فأمر هشامُ بقَطع يده ورِجْله ثم ألقي في الكُناسة. فاحْتَوشه الناسُ يَعجبون من عظيم ما أنزل اللهّ به من نِقمته. ثم أقبل رجلٌ كان كثيراً ما يُنْكر عليه التكلّم في القَدَر فتخلّل الناس حتى وَصل إليه فقال يا غيلانُ اذكُر دُعاء عمر رحمه اللهّ فقال غيلان: أفلح إذاً هشام إن كان الذي نَزَل بي بدعاء عمر أو بقضاء سابق فإنه لا حَرج على هشام فيما أمر به فبلغت كلمته هشاما فأمر بقَطْع لسانه وضَرب عُنقه لتمام دَعْوة عمر. ثم التفت هشام إلى الأوزاعيّ وقال له: قد قلتَ يا أبا عمرو فَفَسِّر فقال: نعم قَضى على ما نَهى عنه نَهى آدم عن أكل الشجرة وقضى عليه بأكلها وحال دُون ما أَمر أمر إبليس بالسُجود لآدم وحال بينه وبين ذلك وأعان على ما حرَّم المَيْتة وأعان المُضطر على أكلها. الرَّياشي عن سعيد بن عامر بن جُوَيرية عن سَعيد بن أبي عَرُوبة قال: لما سألتُ قتادةَ عن القَدَر فقال: رأى العرب تريد فيه أم رأيَ العَجم فقلت: بل رَأْيَ العرب: قال: فإنه لم يكن أحدٌ من العرب إلا وهو يُثبت " القدر " وأنشد: وقال أعرابيّ: الناظًر في قَدَر الله كالناظر في عَين الشمس يعرف ضَوْءها ولا يَختم على حدودها. وقال كعب بن زُهَير: لو كنتُ أعجبُ من شيء لأعجَبني سَعْيُ الفَتَى وهو مخْبُوءٌ له القَدَرُ يَسْعى الفتَى لأمور ليس يُدْرِكها فالنَّفْس واحدةٌ وآلهمّ منْتشِر والمَرْءُ ما عاش مَمْدُودٌ له أمل لا تَنْتَهي العينُ حتى يَنْتهي الأثر وقال آخر: والجَدّ أنهض بالفتَى من عَقْله فانهضْ بجَدٍّ في الحَوادث أو ذَرِ ما أقربَ الأشْياء حين يَسُوقها قَدَرٌ وأبعدَها إذا لم تُقْدَرِ عبد الرحمن القَصِير قال: حدّثنا يونس بن بلال عن يَزيد بن أبي حَبيب أنّ رجلاً قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أيقدّر الله عليِّ الشرّ ثم يُعذَبني عليه قال: نعم وأنت أظْلم. وحدّث أبو عبد الرحمن المُقْرىء يَرْفعه إلى أبي هُريرة عن عمر بن الخطاب رضي اللهّ عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تجَالسوا أهلَ القَدَر ولا تُفاتحوهم. ومن حديث عبد الله بن مَسعود قال: ما كان كُفْر بعد نُبوَّة قط إلا كان مِفْتاحه التَّكْذيب بالقَدَر. ثُمَامة بن أَشْرَس قال: دَخل أبو العَتاهية على المأمون لما قَدِم العراق فأَمر له بمال وجَعل يُحادثه فقال له يومًا: ما في الناس أجهل من القَدرِيَّة فقال له المأمون: أنت بصناعتك أَبصر فلا تَتَخَطَّها إلى غيرها قال له: يا أميرَ المؤمنين اجمع بيني وبين من شئتَ منهم. فأَرْسَلَ إليِّ فدخلتُ عليه فقال لي: هذا يَزعم أنّك وأصحابَك لا حُجَّة عندكم. قلت: فلْيَسأَل عمّا بدا له. فحرَّك أبو العتاهية يدَه وقال: مَن حَرَّك هذه قلتُ مَن ناك أُمّه فقال: يا أميرَ المؤمنين شتَمني قلت له: نَقضت أصلَك يا ماصّ بَظْر أمّه فَضَحك المأمونُ فقلت له: يا جاهل تحرك يدَك ثم تقول: مَن حَرَّكها " فإن كان اللهّ حَرَّكها " فلم أَشْتُمك وإِن كنتَ أنت المُحَرّك لها فهو قَوْلي قال له المأمون: عندك زيادةٌ في المسألة. قال الكندي في الفَنّ التاسع من التّوحيد: اعلم أن العالَم كله مَسوس بالقضاء والقَدَر - أعنى بالقضاء - ما قُسم لكل مَعْلول مما هو أَصلح وأَحْكم وأَتقن في بِنْية الكُل لأنه - جل ثناؤه - خَلَق وأبدع مُضطرًّا ومُختارًا بتمام القُدْرة فلما كان المختار غيرَ تامّ الحكمة لأن تمام آلحِكمة لِمبدع الكل كان لوِ أطلق واختيارَه لاختار كثيراً مما فيه فَسادُ الكل فقَدّر - جلّ ثناؤه - بِنْيةً للكلّ تقديراَ محْكَمًا. فصيّر بعضه سوانحَ لبعض يَختار بإرادته ومَشيئته غيرَ مقْهور مما هو أَصْلح وأحكم في بِنْية اكل فتقدير هذه السَّوانح هو القَدَر فبالقضاء والقَدَر ساسَ - جل ثناؤه - جميع ما أَبدع بهذه السِّياسة المُحكمة المُنظمة التي لا يَدْخلها زَلَل ولا نَقْص فاتْضَح أنّ كل مَعْلوِل فيما قسم له ربه من الأحْوال لا خارج عنها وأنّ بعضَ ذلك باضطرار وبعضه باختيار وأنّ المُختار عن سَوانح قَدَره " اختار " وبإرادته لا بالكَرْه " منه " فَعل. سُئل أعرابيّ عن القَدَر فقال: ذاك عِلْم اختَصَمت فيه الظُّنون وكثر فيه المُختلفون والواجب علينا أن نَرد ما أتشكل من حُكْمه إلى ما سبق في عِلْمه. واصطحب مَجوسي وقَدَري في سَفَر فقال القدريّ للمجوسيّ: مالَك لا تُسلم قال: إن أَذِن الله في ذلك كان قال: إن الله قد أذن إلا أنَّ الشيطان لا يدَعك قال: فأنا مع أَقْواهما. وقال رجلٌ لهشام بن الحَكَم: أنت تَزعُم أن اللهّ في فضْله وكَرمه وعَدْله كَلَّفنا ما لا نُطِيقه ثم يًعذِّبنا عليه قال هشام: قد واللّه فَعل ولكن لا نَسْتطيع أن نتكلَّم. اجتمع عمرو بن عُبيد مع الحارث بن مِسْكين بمنىَ فقال له: إنّ مِثلى ومثلك لا يَجْتمعان في مثل هذا المَوْضع فيَفترقان من غير فائدةَ فإن شِئتَ فقُلْ وإن شئتَ فأنا أقول قال له: قل قال: هل تَعلم أحداً أقبلَ للعُذر من الله عز وجل قال: لا قال: فهل تَعْلم عذراً أبينَ من عذر مَنْ قال لا أقدر فيما تَعلم أنت أنه لا يَقدر عليه قال: لا قال: فلمَ لا يَقْبَلُ - مَن لا أَقبلِ للعُذر منه - عُذْرَ مَن لا أبينَ من عُذْره فانقطع الحارث بن مِسْكين فلم يرُدّ شيئاَ.
قال المأمون للثَّنوي الذي تكلّم عنده: أَسألك عن حَرْفين لا أَزيد عليهما هل نَدِم مُسيء قط على إساءته قال: بلى قال: فالندَّم على الإساءة إساءةٌ أم إحسان قال: بل إحسان قال: فالذي نَدِم هو الذي أساء أم غَيْره قال: بل هو الذي أساء قال: فأرَى صاحبَ الخَيْر هو صاحبُ الشر قال: فإني أقول: إن الذي نَدِم غير الذي أساء قال: فنَدِم على شيء كان منه أم على شيء كان من غَيْره فسكت. قال له أيضاً: أخبرني عن قولك باثنين هل يَستطيع أحدُهما أن يَخلُق خلقاً لا يَستعين فيه بصاحبه قال: نعم قال: فما تَصنع باثنين واحدٌ يَخلق كلَّ شيء خيرٌ لك وأصح. وقال المأمون للمُرتد الخراسانيّ الذي أسلم على يَدَيه وحمله معه إلى العِراق فارتدَ عن الإسلام: أَخبرني ما الذي أَوْحَشك مما كنتَ به آنساً من دِيننا فواللّه لأن أستحييك بحق أحبّ إليَّ من أن أقتلُك بحق وقد صِرْتَ مُسلماً بعد أن كنت كافراً ثم عُدت كافراً بعد أن صِرْت مُسلماً وإن وجدتَ عندنا دواءً لدائك تداويتَ به وإن أخطأك الشفاء وتَباعد عنك كنتَ قد أبليتَ العُذْر في نَفْسك ولم تُقَصرِّ في الاجتهاد لها فإن قتلناك قَتَلْناك في الشَّريعة وترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار واليَقين ولم تُفَرِّط في الدُّخول من باب الحزْم قال المرتد: أوْحشني منكم ما رأيتُ من كثرة الاختلاف في دِينكم قال المأمون: لنا اختلافان: أحدُهما كاختلافِنا في الآذان وتكبير الجنائز وصلاة العِيدين والتشهّد والتَّسليم من الصلاة ووُجوه القراآت واختلاف وُجوه الفُتيا وما أشبه ذلك وهذا ليس باختلاف وإنما هو تخيير وتَوْسعة وتخفيف من السنَّة فمن أذِّن مَثنى وأقام مَثْنى لم يَأثم ومَن ربع لم يأثم. والاختلاف الآخر كنَحْو اختلافنا في تأويل الآية من كتاب الله وتأويل الحديث عن نبيّنا مع اجتماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عَينْ الخبر فإن كان إنما أوْحشك هذا فينبغي أن يكون اللفظُ بجميع التوراة والإنجيل متفقاً على تأويله كما يكون متفقاً على تَنزيله ولا يكون بين اليهود والنَّصارى اختلافٌ في شيء من التأويلات ولو شاء الله أن يُنزِّل كًتبه مُفَسَرة ويجعل كلامَ أنبيائه ورسله لا يُختلف في تأويله لفَعل ولَكنَّا لم نجد شيئاً من أمور الدَين والدُنيا وقع إلينا على الكِفاية إلا معِ طُولِ البحث والتَحْصيل والنَّظر ولو كان الأمر كذلك لسَقَطت البَلْوى والمِحن وذهَب التفاضل والتبايُن ولمَا عُرف الحازم من العاجز ولا الجاهل مِن العالم وليس على " هذا " بُنِيت الدنيا. قال المُرتد: أشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له وأن المَسيح عبدُ اللّه وأنَّ محمداً صادق وأنك أمير المؤمنين " حقّا ". وقال المأمون لعليّ بن موسى الرِّضا: بِمَ تَدَّعون هذَا الأمر قال: بقرابة عليّ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وعلى آله وبقرابة فاطمة منه " فقال له المأمون: إنْ لم يكن ها هنا إلا القرابة فقد خَلف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أهل بَيته مَن كان أقربَ إليه من عليّ أو مَن في مِثل قُعْدُده وإن كان بقرابة فاطمة من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن الحق بعد فاطمة للحسن والحسين وليس لعلي في هذا الأمر حق وهما حيان فإذا كان الأمر كذلك فإن عليًا قد ابتزَهما حقهما وهما صحيحان واستولى على ما لا يَجب له. فما أجابه علي بن موسى بشيء. كتب واصل بنُ عَطاء الغزّال إلى عمرو بن عُبيد: أما بعد فإنّ استلاب نِعمة العبد وتَعْجيل المُعاقبة بيد اللّه ومهما يكن ذلك فباستكمال الآثام والمُجاوَرة للجِدال الذي يحُول بين المرء وقَلْبه وقد عرفتَ ما كان يُطعن به عليك وُينسب إليك ونحن بين ظَهْراني الحسن بن أبي الحسن رحمه اللّه لاسْتِبْشاع قُبْح مَذْهبك نحن ومَن قد عرفتَه من جميع أصحابنا وُلمَّة إخواننا الحاملين الواعين عن الحسن فللّه تلكم لمَّة وأوْعياء وحَفَظة ما أدمثَ الطبائع وأرزن المجالس وأبينَ الزُّهد وأصدقَ الألسنة اقتدَوْا والله بمن مَضى شَبهًا بهم وأخذوا بهَدْيهم. عَهدي واللهّ بالحسن وعَهدكم به أمس في مَسْجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرقيّ الأجنحة وآخر حديث حدَّثنا إذ ذَكر الموت وهول المُطَّلع فأسف على نفسه واعترف بذنبه ثم التفت واللّه يَمنة ويسرة مُعتبرًا باكيًا فكأني أنظر إليه يمسَح مُرْفَض العَرق عن جبينه ثم قال: اللهم إني قد شَددْت وَضِين راحلتي وأخذت في أَهبة سَفَري إلى محلّ القبر وفَرْش العَفْر فلا تؤاخذني بما ينسبون إليَّ من بعدي اللهم إني قد بلَّغْت ما بَلغني عن رسولك وفسَّرت من مُحْكم تأويلك ما قد صَدًقه حديثُ نبيّك ألا وإني خائفٌ عَمْرا ألا وإني خائف عَمْرا شكاية لك إلى ربِّه جَهراً وأنت عن يمين أبي حُذيفة أقر بنا إليه وفد يلغني كبير ما حمّلته نفسَك وقَلّدته عنقك من تَفسير التنزيل وعبارة التأويل ثم نظرتُ في كتبك وما أدّته إلينا روايتك من تنقيص المعاني وتفريق المَباني فدلَت شكاية الحسن عليك بالتَّحقيق بظهور ما ابتَدَعت وعظيم ما تحمَّلت فلا يَغْرْرك " أي أخي " تَدْبيرُ مَن حولك وتعظيمهم طولَك وخَفضهم أعينهم عنك إجلالاً لك غداً واللّه تمضي الخُيلاء والتفاخر وتُجْزى كلّ نَفْس بما تَسعى ولم يكُن كتابي إليك وتَجليبي عليك إلا لتَذْكيرك بحديث الحسن رحمه اللهّ وهو آخر حَديث حدّثناه فأَدِّ المَسموع وانطق
لما خرجت الخوارجُ عَلَى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وكانوا من أصحابه وكان مِن أمر الحَكمين ما كان واختِداع عمرو لأبي مُوسى " الأشعريّ " قالوا: لا حُكْم إلا للهّ. فلما سمع عليٌ رضي اللهّ عنه نِداءهم قال: كلمة حق يراد بها باطل وإنما مَذْهبهم أن لا يكون أمير ولا بُدَ من أمير بَرًّا كان أو فاجرًا. وقالوا لعليّ: شككتَ في أمرك وحكَّمت عدوّك في نَفْسك. وخرجوا إلى حَرُوراء وخرج إليهم عليٌّ رضي الله عنه فخَطَبهم متوكِّئاً على قوْسه وقال: هذا مَقام مَن أفلح فيه أَفلح يومَ القيامة أنْشُدكم اللهّ هل عَلِمتم أنّ أحداً كان أكرَه للحكومة منِّي قالوا: اللهم لا " قال: أفعلتم أنكم أكرهتموني عليها حتِى قبِلْتُها قالوا: اللهم نعم " قال: فعلامَ خالفتُموني ونابذتموني قالوا: إنَّا أتينا ذنباَ عظيما فتُبْنا إلى اللهّ منه فتُب إلى اللهّ منه واْستغفره نُعدْ إليك. فقال عليٌ: إني أستغفر الله من كلّ ذنب فرَجَعوا معه وهم في ستّة آلاف. فلما استقرُّوا بالكوفة أشاعُوا أن عليَاً رَجع عن التحكيم وتاب منه ورآه ضلالاً. فأتى الأشعثُ بن قيس عليَاً رضي اللهّ عنه فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الناس قد تحدثوا أنك رأيتَ الحكومة ضلالاً والإقامة عليها كُفْراً وتُبْت. فخطب عليٌ الناس فقال: مَن زَعم أني رجعتُ عن الحكومة فقد كذَب ومَن رآها ضلالاً فهو أضلّ منها. فخرجت الخوارج من المسجد فحكّمت فقيل لعليّ: إنهم خارجون " عليك " فقال: لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيَفعلون. فوَجّه إليهمٍ عبدَ الله بن العبّاس فلما سار إليهم رحَّبوا به وأكرموه فرأى لهم جباهًا قَرِحة لطول السجود وأيديًا كثَفِنات الإبل وعليهم قمُص مُرْحَضة وهم مُشمِّرُون فقالوا: ما جاء بك يا بن عبّاس قال: جِئتكم من عند صِهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه وأَعْلمنا برّبه وسنة نبيّه ومن عند المهاجرين والأنصار فقالوا: إنا أتينا عظيماَ حين حَكّمنا الرجالَ في دين اللّه فإن تاب كما تُبْنا ونهض لمًجَاهدة عدوّنا رَجعنا. فقال ابن عبّاس: نَشدتكم الله إلا ما صَدَقتم أنفسَكم أمَا عَلمتم أنَّ الله أمر بتَحْكيم الرِّجال في أَرْنب تُساوي رُبع درْهم تًصَاد في الحَرَم وفي شِقاق رجل وامرأته فقالوا: اللهم نعم قال: فأنشُدكم اللّه هل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمْسك عن القِتال للهُدنة بينه وبين أهل الحُدَيبية قالوا: نعم ولكن عليًّا مَحا نفسَه من خِلافة المسلمين قال ابن عبّاس: ليس ذلك يُزِيلها عنه وقد مَحا رسول الله صلى الله عليه وسلم " اسمه " من النبوَّة وقال سُهَيل بن عمرو: لو عَلمتُ أنك رسول الله ما حاربتُك فقال للكاتب: اكتُب: محمد بن عبد الله. وقد أخذ على الحَكَمين أن لا يَجُورا " وإِن يَجُورا " فعليٌّ أوْلى من مُعاوية وغيره قالوا: إنّ مُعاويةَ يدَّعي مثلَ دعوى عليّ قال فأيُّهما رأيتُموه أوْلى فولُوه قالوا: صدقتَ. قال ابن عباس: ومتى جار الحَكَمان فلا طاعة لهما ولا قَبُول لقولهما. فاتَّبعه منهم ألفان وبَقي أربعة آلاف. فصلّى بهم صلاتَهُم ابن الكَوّاء وقال: متى كانت حرب فرئيسُكم شَبَث بن رِبْعِيّ الرِّياحي. فلم يَزالوا على ذلك حتى أجْمعوا على البَيعة لعَبد الله بن وَهْب الرَّاسبيّ فخرج بهم إلى النَّهروان فأوْقع بهم عليّ فقَتل منهم ألفين وثمانمائة وكان عددُهم ستةَ آلاف وكان منهم بالكوفة زُهاء ألفين ممن يُسِرّ أمره فخرج منهم رجلٌ بعد أن قال عليٌّ رضي اللهّ عنه: ارجعوا وادفعوا إلينا قاتلَ عبد الله بن خَبّاب قالوا: كلّنا قَتله وشرك في دَمه وذلك أنهمٍ لما خرجوا إلى النَّهْروان لقُوا مُسْلمًا ونَصرانيا فقتلوا المُسْلم وأوْصَو! بالنصرانيّ خَيرا وقالوا: احفظًوا ذمّة نبيّكم. ولقُوا عبدَ الله بن خبّاب وفي عُنقه المُصحف ومعه امرأته وهي حامل فقالوا: إنّ هذا الذي في عنقك يأمرنا بقَتلك فقال لهم: أحْيوا ما أحْيا القُرآن وأميتوا ما أمات القرآن قالوا: حَدِّثنا عن أبيك قال: حدَّثني أبي قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تكون فتنة يموت فيها قلبُ الرجل كما يموت بدنه يمسى مؤمناً ويُصبح كافرًا فكُن عبدَ اللهّ المقتول ولا تكن عبدَ اللهّ القاتلَ قالوا: فما تَقول في أبي بكر وعمر فأثنى خيراً " قالوا: فما تقول في عليّ قبل التحكيم وفي عثمان فأثنى خيراً " قالوا: فما تقول في الحكومة والتحكيم قال: أقول: إنَّ عليًّا أعلمُ بكتاب اللهّ منكم وأشد تَوقِّيا على دينه وأبعد بصيرةً قالوا: إنك لستَ تتَّيع الهدى بل الرجالَ على أسمائها ثم قَرَّبوه إلى شاطئ البَحر فذَبحوه فا مذَقَرَّ دمُه أي جَرى مستقيماً على دقة وسامُوا رجلاً نَصْرانيا بنَخْلة فقال: هي لكم هِبَة قالوا: ما كُنَّا نأخذها إلا بثَمن فقال: ما أَعجبَ هذا! أتقتلون مثلَ عبد الله بن خبّاب ولا تَقبلون منا " جنَى " نخْلة إلا بثَمن! ثم افترقت الخوارج على أربعة أضرب: الإباضية أصحاب عبد اللهّ بن إباض والصُّفرية واختلفوا في نَسبهم فقال قوم: سُمُّوا بابن الصفار وقال قوم: نهكتهم العبادة فاصفرّت وجوهُهم ومنهم البَيْهسية وهم أصحاب ابن بَيْهس ومنهم الأزارقة أصحاب نافع بن الأزرق الحنفي وكانوا قبلُ على رَأْيٍ واحد لا يختلفون إلا في الشيء الشاذّ. فبلغهم خروج مُسلم بن عُقبة إلى المدينة وقَتْلُهُ أَهلَ حَرَّة وأنه مُقبل إلى مكة فقالوا: يجب علينا أن نمنعَ حَرَم الله منهم ونمْتَحن ابن الزبير فإن كان على رأينا تابعناه. فلما صاروا إلى ابن الزبير عرَّفوه أنفسهم وما قَدِموا له فأظهر لهم أنه على رأْيهم حتى أتاهم مُسلم بن عُقبة وأهل الشام فدافعوه إلى أن يأتي رأْيُ يزيدَ بنِ مُعاوية ولم يُتابعوا ابن الزُّبير ثم تناظَروا فيما بينهم فقالوا: نَدخل إلى هذا الرجل فنْظر ما عنده فإن قَدّم أبا بكر وعمر وبَرِىء من عُثمان وعليّ وكَفر أباه وطَلْحة بايعناه وإن تكُن الأخرى ظَهر لنا ما عنده وتَشاغلنا بما يجديِ علينا. فدخلوا على ابن الزًّبير وهو مُتَبذل وأصحابه مُتفرقون عنه فقالوا له: إنَا جِئناك لتُخْبرنا رأْيَكَ فإن كنتَ على صواب بايعناك وإن كنتَ على خلافة دَعَوْناك إلى الحق ما تقولُ في الشَّيخين قال: خيرًا قالوا: فما تقول في عُثمان الذي حَمَى الحِمَى وآوى الطَّريد وأظهر لأهل مِصرْ شيئاً وكَتب بخلافه وأوطأ آلَ بني مُعيط رِقابَ الناس وآثرهم بَفيْء المُسلمين وفي الذي بعده الذي حكّم " في دين اللّه " الرجالَ وأقام على ذلك عيرَ تائب ولا نادم وفي أبيك وصاحبه وقد بايعا عليًّا وهو إمام عادل مَرْضي لم يَظْهر منه كُفر ثم نكَثَا بَيْعته وأخرجا عائشة تُقاتل وقد أمرها الله وصَواحبَها أن يَقرنْ في بُيوتهن وكان لك في ذلك ما يَدْعوك إلى التَّوْبة فإن أنتَ قبِلت كلّ ما نقول " لك " فلك الزُّلفي عند اللهّ والنصر على أيدينا إن شاء الله ونَسألُ الله لك التوفيقَ وإن أبَيتَ خَذلك الله والنصر منك بأيدينا. فقال ابن الزبير: إنّ الله أمر وله العِزّة والقُدرة في مخاطبة أكْفر الكافرين وأَعتَى العانين بأَرقَّ من هذا القول فقال لموسى وأخيه صلى الله عليهما: " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تُؤذوا الأحياء بسَبّ المَوْتىَ ". فنهى عن سبّ أبي جَهل من أجل عِكْرمة ابنه وأبو جهل عدوّ الله وعدوّ رسوله والمُقيم على الشِّرك والجادّ في محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبل الهجرة والمُحارب له بعدَها وكفي بالشِّرك ذَنْبًا وقد كان يُغْنيكم عن هذا القول الذي سمَّيتم فيه طلحة وأَبي أن تقُولُوا: أتَبرأ من الظالمين فإن كانا منهم دخَلا في غُمَار الناس وإن لم يكونا منهم لم تُحْفِظوني بسبّ أبي وصاحبه وأنتم تَعلمون أنّ اللهّ جلّ وعزّ قال للمُؤْمن في أبويه: " وقال: " وهذا الذي دعوتُم إليه أمرٌ له ما بعده وليس يُقْنعكم إلا التَّوقيف والتَّصْريح ولَعَمْري إنّ ذلك أحرَى بِقَطْع الْحجج وأَوْضَح لمنهاج الحقّ وأوْلَى بأن يَعرف كلٌّ صاحبَه من عدوِّه فَرُوحوا إليَّ من عَشِيَّتكم هذه أكْشف لكم ما أنا عليه إن شاء الله تعالى. فلمَّا كان العشي راحُوا إليه فخَرج إليهم وقد لبِس سلاحه فلما رأى ذلك نَجْدةُ قال: هذا خُروج منا بذلكم فجلس على رَفَع من الأرض فحمد اللّه وأثنى عليه وصلىّ على نبيّه ثم ذكراً أبا بكر وعُمر أحسنَ ذِكْر ثم ذكر عُثمان في السِّنين الأوائل من خِلافته ثم وصلهنّ بالسّنين التي أنكروا سِيرتَه فيها فجعلها كالماضية وأخبر أنه آوى الحَكَم بن أبي العاصي بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذَكر الحِمَى ومما كان فيه من الصَّلاح وأن القومَ آستعتبوه " من أمور " ما كان له أن يَفعلها أوّلاً مصيِبِا ثم أعتبهم بعد ذلك مُحسناً وأن أهل مصر لما أتوه بكتاب ذكروا أنه منه بعد أن ضمِن لهم العُتْبى ثم كُتب ذلك الكتابُ بقَتْلهم فدَفعوا الكتابَ إليه فَحَلف باللّه أنه لم يكتبه ولم يأْمر به وقد أَمر الله عزّ وجلّ بقبول اليمين ممَّن ليس له مثل سابقته مع ما اجتَمع له من صِهْر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه " من " الإمامة وأنّ بَيعة الرِّضوان تحت الشجرة إنما كانت بِسبَبه وعثمان الرجل الذي لَزِمَتْه يمينٌ لو حَلَف عليها لَحَلَف على حقّ فافتَدَاها بمائة ألف ولم يَحْلِف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع: " مَن حَلَف باللّه فلْيَصدُق ومن حُلِف له باللّه فليقْبل ". وعُثمان أمير المؤمنين " كصاحبيه " وأنا وليّ وليّه وعدوّ عدوّه وأبي وصاحبه صاحبَا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ورسول الله " يقول " عن اللّه " عزّ وجلّ يومَ أُحد لما قُطعت إصْبع طَلْحَة: " سَبَقته إلى الجنة ". وقال: " أوْجب طلحة ". وكان الصِّديق إذا ذُكر يومَ أُحد قال: ذلك يوم كلّه " أو جُلّه " لطلحة. والزُّبير حواريَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصَفْوته وقد ذكر أنه في الجنّة وقال عزّ وجلّ: " وما أخبرَنا بعدُ أنه سَخِط عليهم وإن يكن ما صَنعوا حقًّا فأهل ذلك هم وإن يكن زلّة ففي عَفو الله تَمحِيصُها وفيما وَفَّقهم له من السابقة مع نبيّهم صلى الله عليه وسلم ومهما ذَكَرتموهما به فقد بَدَأْتم بأًمِّكم عائشة فإن أبَى آبٍ أن تكون له أمًّا نَبَذ اسم الإيمان عنه وقد قال جلّ ذِكْره: " فنظر بعضهم إلى بعض ثم انصرفوا عنه. وكتب بعد ذلك نافعُ بن الأزرق إلى عبد الله بن الزُّبير يَدْعوه إلى أمره: أمّا بعد فإني أحذِّرك من الله يومَ تَجد كلُّ نفس ما عَمِلَت من خَيْر مُحْضَرًا وما عَمِلَت من سُوء توَدّ لو أنّ بينها وبَينه أَمدًا بعيداً " فاتّق الله ربَّك ولا تَتَوَلّ الظالمين فإنّ الله يقول: " وقال: وقد حضرتُ عثمانَ يومَ قُتِل فَلَعمري لئن كان قُتل مظلومًا لقد كفر قاتلوه وخاذِلُوه وإن كان قاتلوه مُهْتدين وإنهم لمُهْتدون لقد كفَر مَن تولاّه ونصرَه. ولقد علمتَ أنّ أباك وطَلْحة وعليّاً كانوا أشدَّ الناس عليه وكانوا في أمره بين قاتل وخاذِل وأنت تتولى أباك وطلحة وعثمان فكيف ولاية قاتل مُتَعَمِّد ومَقتول في دين واحد ولقد ملك علىّ بعده فَنَفي الشُّبهات وأقام الحُدود وأَجْرى الأحكام مجاريها وأَعطى الأمور حقّها فيما عليه وله فبايَعه أبوك وطَلْحة ثم خَلعا بَيْعته ظالمين له وإن القَول فيك وفيهما لكما قال ابنُ عباس رحمه الله: إن يكُن علِيّ في وقت مَعْصِيتكم ومُحاربتكم له كان مؤمنَاَ لقد كفَرتم بقتال المؤمنين وائمة العَدْل وإن كان كافراً كما زَعمتم وفي الحُكم جائراً فقد بُؤْتم بغضب من الله لفراركم من الزَّحف. ولقد كنتَ له عدوًّا ولسيرته عائباً فكيف توليته بعد مَوته. وكتب نجدةُ وكان من الصُّفرية القَعَديّة إلى نافع بن الأزرق لما بلغه عنه استعراضُه للناس وقَتْله الأطفال واستحلاله الأمانة: بسم اللهّ الرحمن الرحيم صلى الله عليه وسلم أمّا بعد فإنّ عَهْدي بك وأنت لليتيم كالأب الرَّحيم وللضعيف كالأخ البَرّ لا تأخذك في الله لومةُ لائم ولا ترى معونة ظالم " كذلك كنتَ أنت وأصحابك أما تذكر قولَكَ: لولا أني أعلمِ أنّ للإمام العاذل مِثلَ أجر جميع رعيّته ما تولّيت أمر رجلين من المسلمين " فلما شَرَيْتَ نفسك في طاعة ربّك ابتغاءَ رضوانه وأصبتَ من الحق فصَّه " وركبتَ مُرَّة " تَجَرّد لك الشيطانُ فلم يكن أحدٌ أثقلَ وطأةً عليه منك ومن أصحابك فاستمالك واستغواك فعَوِيتَ وأكفرت الذين عَذرهم الله في كتابه من قَعَدة المسلمين وَضعفتهمِ فقال جلَّ ثناؤه وقوله الحق ووعدُه الصِّدق: " ثم استحللت قتلَ الأطفال وقد نَهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قَتْلهم وقال جلَّ ثناؤه: " وقال في القَعَد خيراً وفَضّل الله من جاهد عليهم ولا يدفع منزلةُ أكثر الناس عملاً منزلةَ مَن هو دُونه إلا إذا اشتركا في أصلٍ أو ما سمعتَ قوله تبارك وتعالى: " لا يَسْتَوِى القَاعِدُون مِن المؤمِنين غيرُ أولَي الضّرَرِ والمُجَاهِدُونَ في سَبِيل الله " فجعلهم الله من المؤمنين وفَضّل عليهم المَجاهدين بأعمالهم ورأيتَ من رأيك أن لا تؤَدِّي الأمانة إلى مَن يُخالفك واللّه يأمرك أن تؤدي الأماناتِ إلى أهلها فإتق الله وانظُرْ لنفسك واتَّقَ يومًا لا يجزى والدٌ عن ولده ولا مَوْلود هو جازٍ عن والده شيئاً فإن الله بالمِرْصاد وحُكمه العدل وقوله الفصل والسلام. فكتب إليه نافعُ بن الأزرق: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فقد أتاني كتابُك تَعِظُني فيه وتُذكِّرني وتَنصحُ لي وتزجرُني وتصِفُ ما كنتُ عليه من الحق وما كنتُ أُوثرهُ من الصواب وأنا أسألُ الله أن يجعلني من الذين يَسْتمعون القولَ فيتبعون أحسنه. وعِبْتَ على ما دِنْتُ به من إكفار القَعد وقَتل الأطْفال واستحلال الأمانة وسأفسِّر لك " لِمَ " ذلك إن شاء اللّه: أما هؤلاء القَعد فليسوا كمن ذكرتَ ممن كان بِعَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا بمكة مَقْهورين مَحْصورين لا يجدون إلى الهرب سَبيلاً ولا إلى الاتصال بالمُسلمين طريقاً وهؤلاء قد فَقُهوا في الدين وقرءوا القرآن والطريقُ لهم نَهَج واضح وقد عرفتَ ما يقول الله فيمن كان مِثْلهم إذ قال: " قَالوا كنا مُسْتَضْعَفينَ فيِ الأرْض.
قالوا أَلم تَكُنْ أرضُ الله وَاسعةَ فتُهاجرُوا فيها وقال: فَرحَ المُخَلَّفُون بمقعدهم خِلاف رسول الله وقال: " وَقَعَد الّذِين كَذَبُوا الله وَرَسُولَه وقال: " وأما أمر الأطفال فإنّ نبيّ الله نُوحًا كان أَعرفَ باللهّ يا نَجْدةُ منّي ومنك قال: " إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلاَّ فَاجِراً كَفَّارًا وهؤلاء كمشركي العرب لا تُقْبل منهم جِزْية وليس بيننا وبينهم إلا السيف أو الإسلام. وأما استحلال الأمانات ممَّن خالفنا فإن الله عز وجلَّ أحلَّ لنا أموالهم كما أحل لنا دماءَهم فدماؤهم حَلال طِلْق وأموالهُم فَيْء للمُسْلمين فاتَّق اللهّ وراجِع نفسك فإنه لا عُذْر لك إلا بالتوبة ولا يَسَعك خِذْلانُنا والقُعود دوننا " وتَرْك ما نهجناه لك من طريقتنا ومقالتنا " والسلام على مَن أَقرَّ بالحق وعمل به. وكان مِرْداس أبو بلال من الخوارج وكان مُستتراَ فلما رأى جِدَّ ابن زياد في قَتْل الخوارج وحَبْسهم قال لأصحابه: إنه واللهّ لا يَسعنا المُقام بين هؤلاء الظالمين تَجْري علينا أحكامُهم! مُجانبين للعدل مفارقين للعقل والله إنّ الصبرَ على هذا لَعَظيم وإنّ تَجريد السيف وإخافةَ السبيل لعظيم ولكنّا لا نَبْتدئهم ولا نُجرِّد سيفاً ولا نُقاتل إلا مَن قاتلنا. فاجتمعِ عليه أصحابُه وهم ثلاثون رجلاً فأرادوا أن يُولّوا أمرَهم حُرَيث بن حَجْل فأبى فولّوا أمرَهم مِرداساً أبا بلال. فلما مضى بأصحابه لَقِيه عبدُ الله بن رَبَاح الأنْصاري وكان له صديقاَ فقال له: يا أخي أين تُريد قال: أريد أن أهْرُب بديني ودين أصحابي هؤلاء من أَحكام هؤلاء الجَوَرة والظَّلمَة فقال له: أَعَلِم بكم أحد قال: لا قال: فارجع قال أَوَ تخاف عليّ مكروهاً قال: نعم " وأن يُؤْتى بك " قال: فلا تَخَف فإنّي لا أجرِّد سيفاً ولا أخيف أحَداً ولا أقاتل إلا مَن قاتلني. ثم مَضى حتى نزل آسَك وهوِ مَوْضع دون خُراسان فمرّ به مالٌ يُحمل إلى ابن زِيَاد وقد بلغ أصحابُه أربعين رجلاَ فحطَّ ذلك المالَ وأخذ منه عطاءَه وأعْطيات أصحابه وردّ الباقي على الرُّسل فقال: قُولوا لصاحبكم إنّا قبضنا أعطياتِنا فقال بعضُ أصحابه: فعلامَ نَدع الباقي فقال: إنّهم يَقْسمون هذا الفَيْء كما يُقيمون الصلاة فلا نقاتلهم. ولأبي بلال مِرْداس هذا أشعارٌ في الخُروجِ منها قولُه: أبعدَ ابن وَهْب ذي النزاهة والتُّقىِ ومن خاضَ في تلك الحُروب المَهالِكَا أحِبّ بقاءً أو أُرَجِّي سَلامةً وقد قَتلوا زيدَ بن حِصْنٍ ومالكا فيا رَبِّ سَلِّمْ نِيّتي وبَصيرتي وهَبْ لي التّقَى حتى ألاقِي أولئكا وقالوا: إنََّ رجلا من أصحاب زياد قال: خرجنا في جَيْش نُريد خُراسان فمرَرْنا بآسَك فإذا نحن بمرْداس وأصحابه وهم أربعون رجلاً فقال: أقاصدُون لقتالنا أنتم قُلْنا: لا إنما نريد خُراسان قال: فأبْلِغوا مَن لَقِيتم أنَّا لم نَخْرج لنُفْسد في الأرض ولا لنُروِّع أحداً ولكن هَرَبنا من الظُّلم ولَسْنا نُقاتل إلا مَن قاتَلنا ولا نأخذ من الفَيْء إلا أعطياتنا ثم قال: أَنُدِب لنا أحد فقُلْنا: نعم أسْلَم بن زُرْعة الكلابيّ قال: فمتى تَرَوْنه يَصلُ إلينا قُلنا له: يومَ كذا وكذا فقال أبو بلال: حَسْبنا الله ونعم الوكيل. ونَدَب عُبيد الله بن زياد أسلم بن زُرعة الكِلاَبيّ ووجّهه إليهم فيِ ألفين فلما صار إليهم صاح به أبو بلال: اتق الله يا أسلم فإنا لا نُريد قتالا ولا نحْتجز مالا فما الذي تُريد قال: أريد أن أردَّكم إلى ابن زياد قال: إذاً يقتلنا قال: وإنْ قَتلكم قال: أفَتَشْركه في دمائنا قال: نعم إنه مُحق وأنتم مُبْطلون قال أبو بلال: وكيف هو مُحق وهو فاجر يُطيع الظَّلمة. ثم حَملوا عليه حملةَ رجل واحد فانهزم هو وأصحابه. فلما وَرد على ابن زياد غَضَب عليه غَضباً شديداً وقال: انهزمت وأنت في ألفين عن أَربعين رجلا! قال له أسلم: واللّه لأن تَذُمَّني حيّا أحبًّ إليَّ من أن تَحمَدني مَيِّتاً. وكان إذا خرج إلى السوق ومرَّ بالصبيان صاحُوا به: أبو بلال وراءك حتى شكا إلى ابن زياد فأمر الشّرط أن يكفّوا الناسَ عنه. رد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على شوذب الخارجي الهيثم بن عَدِيّ قال: أخبرنى عَوانة بن الحَكم عنِ محمد بن الزُّبير قال: بَعثني عمر بن عبد العزيز مع عَوْن بن عبد الله بن مَسْعود إلى شوْذَب الخارجيّ وأصحابه إذ خرجوا بالجزيرة وكتب معنا كتاباً فقَدِمنا عليهمِ ودَفعنا كتابَه إليهم فبَعثوا معنا رجلاً من بني شَيْبان ورجلاً فيه حَبشيّة يقال له شوْذَب. فقدما معنا على عمرَ وهو بخِنَاصرة فصَعِدْنا إليه وكان في غُرْفة ومعه ابنه عبدُ الملك وحاجبُه مُزاحم فأخبرناه بمكان الخارجيين فقال عمر: فتِّشوهما لا يَكُن معهما حديد وأدخلوهما فلما دخلا قالا: السلامُ عليكم ثم جلسا فقال لهما عمر: أخْبراني ما الذي أخْرجكم عن حُكْمي هذا وما نَقِمْتم علي فتكلَّم الأسود منهما فقال: إنَّا واللّه ما نَقِمْنا عليك في سِيرتك وتَحَرِّيك العَدْل والإحسان إلى مَن وَليت ولكنَّ بيننا وبينك أمراً إن أعطيتَناه فنحن منك وأنت منَّا وإن مَنَعْتناه فلستَ منا ولسنا منك قال عمر: ما هوِ قالا: رأيناك خالفتَ أهلَ بيتك وسَمَّيتها مظالم وسلكت غيرَ طريقهم فإن زعمتَ أنك على هُدى وهم على ضلال فالْعَنهم وابرأ منهم فهذا الذي يَجمع بيننا وبينك أو يُفرِّق. فتكلم عمر فَحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال: إني قد علمتُ أو ظننتُ أنكم لم تَخْرجوا مخرجكم هذا لطلب الدنيا ومَتاعها ولكنَّكم أردتم الآخرة فأخطأتم سبيلَها وإني سائُلكما عن أمر فباللّه اصْدقاني فيه مَبلغ عِلْمكما قالا: نعم قال: أخبراني عن أبي بكر وعُمر أليسا من أسلافكما ومَن تتولَّيان وتَشْهدان لهما بالنجاة قالا: اللهم نعم قال: فهل عَلِمْتما أنّ أبا بكر حين قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم له فارتدّت العرب قاتلَهم فَسَفك الدِّماء وأخذ الأموال وسَبَى الذراري قالا: نعم قال فهل عَلمتم أنّ عمر قام بعد أبي بكر فردّ تلك السَّبايا إلى عشائرها قالا: نعم قال: فهل بَرِىء عمر من أبي بكر أو تَبْرءون أنتم من أحد منهما قالا: لا قال: فأخبراني عن أهل النَّهروان أَليْسوا من صالحي أسلافكم وممَّن تَشْهدون لهم بالنجاة قالا: نعم قال: فهلِ تَعلمون أنّ أهل الكوفة حين خرجوا كَفوا أيديَهم فلم يَسْفكوا دماً ولم يُخيفوا آمناَ ولم يأخذوا مالا قالا: نعم قال: فهل علمتم أن أهل البَصْرة حين خَرجوا مع مِسْعَر بن فُدَيك استعرضوا الناس يَقْتلونهم ولَفوا عبد الله بن خبّاب بن الأرَتّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه وقتلوا جاريتَه ثم قتلوا النّساء والأطفال حتى جعلوا يُلْقونهم في قُدُور الأقْط وهي تفور قالا: قد كان ذلك قال: فهل بَرِىء أهلُ الكوفة من أهل البصرة قالا: لا قال: فهل تَبرءُون أنتم من إحدى الفِئتين قالا: لا قال: أَفرأَيتم الدِّين إليس هو واحد أَم الدِّين اثنان قالا: بل واحدة قال: فهل يَسعكم منه شيء يُعْجِزني قالا: لا قال فكيف وَسِعكم أن تولَّيتم أبا بكر وعُمرِ وتولَّى كلُّ واحد منهما صاحبَه وتولَّيتم أهلَ الكوفة والبَصرة وتولَّى بعضُهم بعضاَ وقد اختلفوا في أعْظم الأشياء: الدِّماء والفُروج والأموال ولا يَسَعني إلا لَعْن أهل بَيْتي والتبرُؤ منهم أو رأيتَ لَعْنَ أهل الذُّنوب فَريضةً لا بدّ منها فإنْ كان ذلك فمتى عَهْدك بلَعْن فِرْعون وقد قال: أَنَا ربًّكم الأعلى قال: ما أذكُر أني لعنتُه قال: ويحك! أيسَعك أن لا تَلْعن فِرْعون وهو أخبث الخَلْق ولا يَسَعُني إلا أن ألعن أهلَ بَيْتي والبراءةُ منهم ويحكم! إنكم قَوْم جُهَّال أردتم أمراً فأخطأتموه فأنتم تَردّون على الناس ما قَبل منهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَعثه اللهّ إليهم وهم عَبَدَة أوثان فدعاهم إلا أن يخلعوا الأوثان وأن يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه فمن قال ذلك حَقَن بذلك دَمَه وأحْرز مالَه ووَجبت حُرمَتُه وأَمِن به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إِسوة المُسلمين وكان حسابُه على اللّه أفلستم تَلقَون مَن خَلع الأوْثان ورَفَض الأديان وشَهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله تَسْتحلون دَمَه ومالَه وُيلْعن عندكم ومَن تَرَك ذلك وأباه من اليهود والنَّصارى وأهلِ الأديان فَتُحَرِّمون دَمَه ومالَه " ويأمن عندكم " فقال الأسود: ما سمعتُ كاليوم أحداَ أبين حُجّة ولا أقرب مَأْخذاً أمّا أنا فأشهد أنك على الحق وأني بَرِيءٌ ممن بَرِىء منك. فقال عمر لصاحبه: يا أخا بني شَيْبان ما تقول أنت قال: ما أَحسَنَ ما قُلْتَ ووصفتَ غير أني لا أفتات على الناس بأمْر حتى أَلقاهم بما ذكرتَ وأنظر ما حُجّتهم قال: أنت وذاك. فأقام الحَبشيّ مع عمر وأمر له بالعَطاء فلم يَلْبث أن مات ولَحِق الشَّيباني بأصحابه فقُتل معهم بعد وفاة عُمر " رضي الله عنه ". وذُكر رجلٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم فَذَكروا فضلَه وشِدَة اجتهاده في العِبادة. فبينما هم في ذِكْره حتى طَلَع عليهم الرجلُ فقالوا: يا رسولَ اللّه هو هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إني أرى بين عَيْنيه سَفْعة من الشَّيطان فأقبل الرجلُ حتى وقف فسلّم عليهم فقال: هل حَدَّثتك نفسُك إذ طلعتَ علينا أنه ليس في القوم أحسن منك قال نعم ثم ذهب إلى المسجد فصفّ بين قَدَميه يصلِّي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيكم يقومُ إليه فيقتله فقال أبو بكر: أنا يا رسول اللهّ. فقام إليه فَوَجده يًصلَي فهابه فانصرف فقال: ما صنعتَ قال وجدتُه يصلِّي يا رسول الله فهِبتُه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيكم يَقُوم إليه فيقتله قال عمر: أنا يا رسولَ اللّه. فقام إليه فوجده يصلِّي فهابه فانصرف فقال: يا رسولَ اللّه وجدتُه يصلِّي فهِبتُه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم يقوم إليه فيقْتُلَه فقال عليٌّ: أنا يا رسول اللّه قال: أنت له إن أدركته. فقام إليه فوجده قد انصرف. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا أول قَرْنٍ يَطلًعُ في أُمتي لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان إنّ بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة وإنّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقةً واحدة وهي الجماعة. إنما قيل لهم رافضة لأنهم رفضوا أبا بكر وعمر ولم يَرْفُضهما أحد من أهل الأهواء غيرهم والشيعة دونهم وهم الذين يُفضِّلون عليًّا على عثمان ويَتَوَلَّون أبا بكر وعمر. فأما الرافضة فلها غُلوّ شديد في عليّ ذهب بعضُهم مَذهب النَّصارى في المسيح وهم السَّبئية أصحاب عبد الله بن سبأ عليهم لعنةُ اللهّ وفيهم يقول السَّيد الحميري: قَوْمٌ غَلوْا في علّيِ لا أبالهمُ وأُجْشَمُوا أنفُساً في حُبِّه تَعَبَا قالوا هو اللهّ جَلِّ الله خالقُنا من أن يكون ابن شيء أو يكون أَبا وقد أَحْرقهم عليّ رضي الله عنه بالنَّار. ومن الروافض: المُغيرة بن سعد مولى بَجِيلة. قال الأعمش: دخلتُ على المُغيرة بن سعد فسألته عن فَضائل عليّ فقال: إنك لا تَحْتملها قلتُ: بلى. فَذَكر آدم صلواتُ الله عليه فقال: عليٌّ خير منه ثم ذكر مَن دونه من الأنبياء فقال عليٌّ خير منهم حتى انتهى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقال: عليّ مثلُه فقلت: كذبت عليك لعنة الله قال: قد أَعلمتُك أَنك لا تحتملها. ومن الروافض: مَن يزعُم أنّ علياً رضي الله عنه في السَّحاب فإذا أطلَّت عليهم سحابة قالوا: السلامُ عليك يا أبا الحَسن. وقد ذكرهم الشاعر فقال: بَرِئتُ من الخوارجِ لستُ منهم مِن الغَزّال منهم وابن باب ولكنّي أُحِبُّ بكلّ قَلْبي وأعْلم أنَّ ذاك من الصواب رسولَ الله والصِّدِّيقَ حَقًّا به أرجو غداً حُسن الثَّواب وهؤلاء من الرافضة يقال لهم: المَنصورية. وهم أصحاب أبي منصور الكِسْف وإنما سُمِّي الكِسْف لأنه كان يتأوَّل قي قول الله عزَّ وجلً: " وكان المُغيرة بن سعد من السَّبئية الذين أحْرقهم علي رضيِ الله تعالى عنه بالنار وكان يقول: لو شاء عليّ لأحيا عاداً وثمودَ وقروناً بين ذلك كثيراَ. " وقد " خرج " على " خالد بن عبد الله فقتل خالد وصلبه بواسط عند قنطرة العاشر. ومن الروافض كُثَيِّر عَزَّة الشاعر. ولما حضرته الوفاة دعا ابنةَ أَخٍ له فقال: يا بِنتَ أخي إنَ عمَّك كان يُحب هذا الرَّجلَ فأَحبَيه - يعني عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه - فقالت: نَصِيحتك يا عمّ مردودة عليك أحبًّه واللهّ خلافَ الحبِّ الذي أحْببتَه أنت فقال لها: بَرِئت منك وأنشد يقول: بَرِئتُ إلى الإله من ابن أَرْوَى ومن قول الخوارج أجمعينَا ومن عُمرٍ برئتُ ومن عَتيق غداةَ دُعي أميرَ المؤمنينا والروافض كلها تؤمن بالرَّجعة وتقول: لا تقوم الساعةُ حتى يخرجِ المهديُّ وهو محمد بن عليِّ فيملؤُها عَدْلا كما مُلِئتْ جَوْراً ويُحيى لهم موتاهم فيرْجعون إلى الدنيا ويكون الناسُ أمةً واحدة. وفي ذلك يقول الشاعر: أَلا إنَّ الأئمة من قُريش وُلاةَ العَدْل أربعةٌ سَواءُ عليّ والثلاثةُ مِن بَنيه همُ الأسباط ليس بهمِ خَفاء فَسِبْطٌ سِبطُ إيمانٍ وبِرٍّ وسِبْط غَيًبته كرْبلاء أراد بالأسباط الثلاثة: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفيَّة وهو المهديّ الذي يخرُج في آخر الزمان. ومن الروافض: السيّد الحِمْيري وكان يُلقَى له وسائد في مسجد الكوفة يَجلس عليها وكان يؤمن بالرَّجعة وفي ذلك يقول: إذا ما المرْءُ شابَ له قَذال وعَلِّلهُ اْلمَواشِطُ بالْخِضابِ فقد ذهبتْ بَشاشتهُ وأودَى فَقُم بأَبيك فابكِ على الشَباب فليسَ بعائدٍ ما فاتَ منهُ إلى أحدٍ إلى يوم المآب إلى يومٍ يؤوب الناسُ فيه إلى دُنياهُمِ قبل الحساب لأنَّ الله خَبَّر عن رِجالٍ حَيُوا من بعد دَسٍّ في التُّراب وقال يرثيِ أخاه: يابن أمِّي فدَتْكَ نفسي ومالي كنتَ رُكني ومَفْزعي وَجَمالي ولَعَمْرِي لئن تركْتُك مَيْتاً رَهْنَ رَمْس ضَنْكٍ عليك مُهالَ لوشيكاً ألقاك حياً صحيحاً سامِعاً مُبْصَراً على خير حال قد بُعثتم من القُبور فَأبْتُم بعد ما رَفَت العِظامَ البَوالي أو كَسَبْعين وافداً مع مُوسى عاينُوا هائلاً من الأهْوال حين رامُوا من خُبثهم رُؤية الله وأنىَّ برُؤية المتعالي فرَماهم بصَعْقة أحْرقتهم ثم أحياهُم شديدُ المحال دخل رجل من الْحِسْبانيّة على المأمون فقال: لثُمامة بن أشرس كلِّمه فقال له: ما تقول وما مَذْهبك فقال: أقول إنّ الأشياء كلّها على التوهُّم والْحِسْبان وإنما يُدْرٍك منها الناسُ على قَدْر عقولهم ولا حتَّى في الحقيقة. فقام إِليه ثُمامة فَلَطَمه لطمةً سوَدت وَجْهه فقال: يا أميرَ المؤمنين يفعل بي مثلَ هذا في مجلسك! فقال له ثُمامة: وما فعلتُ بك قال: لَطَمْتني قال: ولعلَّ إنما دَهَنتُك بالبان ثم أنشأ يقول: ولعلَّ ما أبصرتَ من بِيض الطًّيور هو الغُراب وعَساك حين قَعدتَ قم تَ وحين جئتَ هو الذّهاب وعَسى البنفسج زِئْبقاً وعسى البَهار هو السَّذاب وعَساك تأكل مِن خَرَا ك وأنتَ تَحْسبه الكَباب ومن حديث ابن أبي شَيْبة أن عبد الله بن شدِّاد قال: قال لي عبد الله بن عبَّاس: لأخبرنَّك بأعجب شيء: قَرَع اليومَ علي البابَ رجلٌ لما وضعتُ ثيابي للظَّهيرة فقلتُ: ما أتى به في مثل هذا الحين إلا أمرٌ مهمّ أدخله. فلما دخل قال: متى يُبعث ذلك الرجل قلت: أي رجل قال: عليّ بن أبي طالب قلتُ: لا يُبعث حتىِ يَبعث الله مَن في القبور قال: وإنك لتقول بقول هذه الجَهلة! قلت: أَخْرِجُوه عني لعنه اللّه. ومن الروافض الكَيْسانية قلتُ: وهم أصحاب المُختار بن أبي عُبيد ويقولون إنّ اسمه كَيْسان. ومن الرافضة الحُسينية وهم أصحاب إبراهيم بن الاشتر وكانوا يطوفون بالليل في أزقة الكوفة وينادون: يا ثاراتِ الحًسين فقيل لهم: الحُسينية. ومن الرافضة الغُرابية: سمِّيت بذلك لقولهم: عليّ أشبه بالنبي من الغُراب بالغراب. ومن الرافضة: الزَّيْدِية وهم أصحاب زيد بن عليّ المقتول بخُراسان وهم أقلُّ الرافضة غُلُوًّا مالك بن مُعاوية قال: قال لي الشّعبيِ وذَكَرْنا الرافضة: يا مالك لو أردتُ أن يُعطوني رقابَهم عَبيداً وأن يَمْلئوا بيتي ذَهَباَ عليً على أن أكْذِبَ لهم على علّيِ كِذْبَةً واحدةً لَقَبِلوا ولكني واللّه لا أَكْذِب عليه أبداً يا مالك إني دَرسْتُ الأهواءَ كلَّها فلم أَرَ قوماً أحمقَ من الرافضة فلو كانوا من الدوابّ لكانوا حميراً أو كانوا من الطير لكانوا رَخَماً. ثم قال: أحذِّرك الأهواءَ المُضلة شرُّها الرافضة فإنها يهود هذه الأمة يُبغضون الإسلام كما يُبغض اليهودُ النَّصرِانية ولم يدْخلوا في الإسلام رغبةً ولا رَهْبة من الله ولكن مَقْتاً لأهل الإسلام وبَغْياَ عليهم وقد أحرَقهم عليًّ بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار ونفاهم إلى البُلْدان منهم: عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط وعبد الله بن سباب نفاه إلى الجازر وأبو الكَرَوَّس وذلك أن مِحْنة الرافضة محنة اليهود قالت اليهود: لا يكون المُلك إلا في آل داود وقالت الرافضة: لا يكون المُلك إلا في آل عليّ بن أبي طالب وقالت اليهود: لا يكون جِهاد في سبيل الله حتى يَخْرج المَسيح المُنتظر ويُنادي منادٍ من السماء وقالت الرافضة: لا جِهادَ في سبيل الله حتى يخرُج المَهديُّ ويَنْزل سَبَب من السماء واليَهود يُؤخِّرون صلاةَ المَغرِب حتى تَشتبك النّجوم وكذلك الرافضة واليَهود لا تَرى الطَّلاق الثلاثَ شيئاَ وكذا الرَّافضة واليهود لا تَرى على النساء عدة وكذلك الرافضة واليهود تستحل دم كل مسلم وكذلك الرافضة واليهود حرفوا التوراة وكذلك الرافضة حرفت القران واليهود تُبْغض جبريلَ وتقول: هو عَدوُّنا من الملائكة وكذلك الرافضة تقول: غَلط جبريلُ في الوَحْي إلى محمد بترك عليّ بن أبي طالب واليهود لا تأكُل لَحم الجَزُور وكذلك الرافضة. ولليهود والئصارى فَضِيلة على الرافضة في خَصْلتين سُئِل اليهود مَن خَيْر أهل مِلّتكم فقالوا: أصحابُ موسى وسُئِلت النصارى فقالوا: أصحابً عيسى وسُئِلت الرِافضة: مَن شرّ أهل مِلّتكم فقالوا: أصحابُ محمّد أمَرهم اللهّ بالاستغفار لهم فشَتَموهم فالسيفُ مَسْلول عليهم إلى يوم القيامةِ لا تَثبُت لهم قدم ولا تَقومُ لهم راية ولا تُجمع لهم كِلمة دَعْوَتُهم مَدْحورة وكَلِمتهم مِختلفة وجَمْعهم مُفرَّق كلما أَوْقدُوا ناراً للحرب أطْفأها اللّه. وذُكرت الرّافضةُ يوماً عند الشًعْبِيّ فقال: لقد بغَّضُوا إلينا حديثَ عليّ بن أبي طالب. وقال الشّعبيّ: ما شَبَّهتُ تأويلَ الرِوافض في القرآن إلا بتأويل رَجل مَضْعوف من بني مَخْزوم من أهل مكّة وجدتُه قاعداَ بفِناء الكَعْبة فقال يا شعبيّ: ما عِنْدك في تأويل هذا البَيْت فإن بَني تَميم يَغْلطون فيه ويزعمون أنه إنما قيل في رجل منهم وهو قولُ الشاعر: بَيْتاً زُرَارةُ مًحْتَبِ بِفِنائه ومُجاشع وأَبو الفَوارس نَهْشلُ فقلت له: وما عِندَك أنت فيه قال: البيتُ هو هذا البيت وأشار بيده إلى الكَعْبة وزُرارةُ الحجر زُرِّر حول البيت فقلت له: فَمُجاشع قال: زَمزم جَشِعت بالماء قلت: فأَبُو الفوارس قال: هو أبو قُبيس جَبل مكَّة قلت: فَنَهْشل ففكّر فيه طويلا ثم قال: أَصبتُه هو مِصْباح الكعبة طويلٌ أَسود وهو النَّهشل. قولهم في الشيعة قال أبو عُثمان عمرو بِن بَحر الجاحظ: أخبرني رجلٌ من رُؤساء التجّار قال: كان معنا في السَّفينة شيخٌ شرس الأخلاق طويلُ الِإطْراق وكان إذا ذُكِر له الشِّيعةُ غَضِب واربدّ وجهُه وزَوى من جاجبَيْه فقلتُ له يوماً: يَرْحمك اللّه ما الذي تَكْرهه من الشِّيعة فإني رأيتُك إذا ذُكِروا غَضِبْتَ وقُبضتَ قال: ما أَكْره منهم إلا هذه الشِّين في أوّل اسمهم فإني لم أجِدْها قطُّ إلا في كلَّ شرّ وشُؤْم وشَيْطان وشَغب وشَقَاء وشَنَار وشَرَر وشَين وشَوْك وشَكْوى وشَهْوة وشَتْم وشُح. قال أبو عثمان: فما ثَبت لِشيعيّ بعدها قائمة.
|